إسماعيل بن خليل الرصاصي
ودوره في تأسيس وتطوير التعليم النظامي في عُمان ۱۹۲۸ – ۱۹۷۰م
إسماعيل بن خليل الرصاصي
ودوره في تأسيس وتطوير
التعليم النظامي في عُمان ۱۹۲۸ – ۱۹۷۰مالتعليم في السابق
اقتصر التعليم في عمان حتى افتتاح المدرسة السلطانية الأولى عام ۱۹۲۸م على التعليم التقليدي، المتمثل في تدريس الأطفال قراءة القرآن وحفظ بعض من آياته، وفي بعض الأحيان الكتابة، إضافة إلى تعليمهم أصول الفرائض كالصلاة والصيام ونحوهما. ومنذ عهد السلطان تركي بن سعيد كانت هناك محاولات لإدخال التعليم شبه النظامي من خلال إنشاء عدد من المدارس التقليدية التي تركّز على تعليم النشء علوم الدين واللغة، وكان بعضها ملحقًا بمساجد مسقط، وتعتمد على عدد محدود من المعلمين، ومن أمثلة تلك المدارس: مسجد مدرسة الخور بجوار بيت الجريزة، وكان أول من قام بالتدريس فيها إمام المسجد الشيخ سليمان ابن محمد الكندي، حيث كان يعلم القرآن الكريم وأصول الدين، وعلوم اللغة العربية، وفي عهد السلطان تيمور تولى التدريس فيها السيد هلال بن محمد البوسعيدي حتى إنشاء المدرسة السلطانية الثانية. ومن بين تلك المدارس كذلك مدرسة الزواوي في مغب التي كانت تقع أسفل قلعة الجلالي، وكانت تُدرّس فيها مواد القرآن الكريم واللغة العربية، واستمر التعليم بها إلى أيام السلطان سعيد ابن تيمور، وكذلك مدرسة الشيخ راشد بن عزيّز الخصيبي في بيته، حيث كان يستقبل عددًا من طلبة العلم، ويقوم بتدريسهم العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية. وهناك مدرسة مسجد الوكيل مقابل بيت السيد نادر بن فيصل بمسقط، وكان يتجمَّع في المسجد عدد من طلبة العلم يقوم بتدريسهم الشيخ محمد بن شيخان السالمي، وممن درس على يديه السيد تيمور بن فيصل، والسيد نادر بن فيصل، ومدرسة بيت الوكيل مقابل بيت السيد شهاب بن فيصل، وفيها كانت تُدرّس مواد القرآن الكريم والفقه والتوحيد واللغة العربية. ومن ضمن المدارس كذلك مدرسة (بوذينة) وهو عالم تونسي كلَّفته الحكومة القيام بالتدريس لعدد من البنين والبنات في منزل استؤجر لهذا الغرض وأصبح يعرف فيما بعد بمدرسة بوذينة، وكان قبلها معلمًا في مدرسة الزواوي منذ قدومه مهاجرًا من تونس في عهد السلطان تيمور، وكانت تُدرَّس في هذه المدرسة مواد: القرآن الكريم، واللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، والحساب، واستمر التدريس بها حتى افتتاح المدرسة السلطانية الأولى.المدرسة السلطانية الأولى
تقع المدرسة بالقرب من مستشفى الإرسالية في مسقط الذي عرف لاحقًا بمستشفى السعادة، وكان من أبرز المدرسين بها الأستاذ جمال حميد، والأستاذ رشاد أبو غريبة، والأستاذ فخري الخطيب، وكانوا من فلسطين، وفي عام ۱۹۳۱م التحق بالهيئة التدريسية معلم عماني هو الأستاذ ناظم علي صادق، الذي كان طالبًا بالمدرسة ذاتها، وتم تعيينه من قبل رئيس مجلس الوزراء السيد سعيد بن تيمور.أما مدير المدرسة فكان الأستاذ إسماعيل بن خليل الرصاصي، خريج كلية المعلمين بالقدس، ودار المعلمين العليا، وكان قد تخرَّج معلمًا بتاريخ ۱٦ أغسطس ۱۹۲۰م، وعمل مدرِّسًا ومديرًا في عدَّة مدن من بينها: بير السبع، وغزَّة، والمجدل، واللّدّ التي عمل مديرًا لمدرستها من سنة ۱۹۲٦-۱۹۲۷.
افتتاح المدرسة السلطانية
من كلمة مدير المدرسة إسماعيل الرصاصي
وقد عقبه على الأثر مدير المدرسة السلطانية السيد إسماعيل الرصاصي بخطابٍ شكر فيه لعظمة السلطان عمله، ومما قاله أيضًا:
“….. إننا نعاهد الله ونعاهدكم على القيام بهذه الخدمة الإنسانية المقدَّسة وسيكون العمل خير برهان”
في المدرسة السلطانية جلوسًا عن اليمين: إسكندر حنا أفندي، والسيد هلال بن بدر، والشيخ الزبير بن علي، والأستاذ إسماعيل الرصاصي مدير المدرسة، وخلفهم يقف عدد من مدرسي المدرسة، الأساتذة رشاد أبو غريبة، وجمال حميد وفخري الخطيب (أرشيف إياد الرصاصي)
في المدرسة السلطانية عام ۱۹۳۱م، عن اليمين: الدكتور ماردي والأستاذ جمال حميد وإسكندر حنا وإسماعيل الرصاصي والأستاذ فخري الخطيب (أرشيف إياد الرصاصي)
الجهود التطويرية لمدير المدرسة إسماعيل الرصاصي
وقد حرص إسماعيل بن خليل الرصاصي بعد وصوله إلى مسقط وتعيينه مديرًا للمدرسة السلطانية الأولى على تطبيق بعض جوانب التعليم الحديث في المدرسة من خلال إسهامه في اختيار المعلمين، والمناهج الدراسية، والأنشطة؛ فتنوعت المناهج بعد أن كانت مقتصرة على تعليم مبادئ الدين واللغة في المدارس السابقة، حيث كانت مواد الدراسة بالمدرسة هي القرآن الكريم، واللغة العربية، والحساب، والتاريخ، والجغرافيا، ودروس مبادئ العلوم، ودروس أخلاقية وتربية وطنية، والرسم، والأناشيد، والتربية البدنية، والألعاب.
ونلاحظ من خلال استعراض المواد وجود أخرى تعدُّ جديدة في مسيرة التعليم بالسلطنة كالتربية الأخلاقية، والتربية الوطنية، ودروس مبادئ العلوم، والتربية البدنية، والرسم، والأناشيد، كما تم إدخال مادة اللغة الإنجليزية لاحقًا، واهتم كذلك بالأنشطة الموازية كالكشافة والرحلات وغيرها.
كان من ضمن الأفكار التربوية الجديدة التي أدخلها إسماعيل الرصاصي في العملية التعليمية بعمان، أنه أدخل النشاط الكشفي ضمن أنشطة المدرسة السلطانية الأولى في عام ۱۹۳۲ حيث أسس أول فرقة للكشافة وكانت البداية للحركة الكشفية في السلطنة.
ولعل من بين الأسباب التي جعلت إسماعيل الرصاصي يدخل هذا النشاط ضمن أنشطة المدرسة هو سابق خبرته به؛ حيث إن هذا النشاط كان يمارس في مدارس فلسطين التي اقترب الرصاصي منها طالبًا، ومعلمًا، ومديرًا، فأحب أن ينقل تلك التجربة إلى المدرسة الجديدة بمسقط ضمن خططه التطويرية لها، بالإضافة إلى حصوله على شهادة في مجال العمل الكشفي.
وقد أشارت العديد من الشهادات المحلية والخارجية إلى دور الأستاذ إسماعيل بن خليل الرصاصي في إدخال النشاط الكشفي لمدارس السلطنة؛ حيث ذكر صاحب السمو السيد ثويني ابن شهاب في أحد لقاءاته الصحفية عند حديثه عن تاريخ الحركة الكشفية بعمان فذكر أنه “كانت البدايات الأولى للحركة الكشفية بالسلطنة عام ۱۹۳۲م، في المدرسة السلطانية التي سبقت إنشاء المدرسة السعيدية بمسقط، وقد نقل فكرتها إلى السلطنة أحد المعلمين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في السلطنة في ذلك الوقت ويسمى إسماعيل بن خليل الرصاصي”. كما أشار موقع (الموسوعة الكشفية) إلى دور الرصاصي في تأسيس الحركة الكشفية بالسلطنة؛ حيث ذكر أنالحركة الكشفية بدأت عام ۱۹۳۲م في المدرسة السلطانية بمسقط، ونقل فكرتها إلى السلطنة الأستاذ إسماعيل بن خليل الرصاصي أحد المعلمين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في السلطنة، وقد كان نشاط الفتية قاصرًا على ممارسة بعض أسس التخييم والرحلات الخلوية القصيرة، ولم يكن هناك أي زي مميز لهؤلاء الأفراد، حيث كان رداؤهم المعروف هو الزي العماني التقليدي مع ارتدائهم للمنديل الكشفي في بعض الأحيان، ونشطت الحركة الكشفية على تنوُّعها، من رحلات ومعسكرات وحياة خلاء وحفلات السمر والفنون الشعبية، لكن جرى ذلك بشكل غير نظامي أو مخطط.كما كانت المدرسة تحرص على إقامة حفلات تكريم الطلاب بعد اختبارات نصف السنة ونهايتها، حيث أشارت جريدة (الشورى) في عددها (۳۱۸) الصادر بتاريخ الأول من أبريل سنة ۱۹۳۱م إلى احتفالٍ كبير أقامته المدرسة بمناسبة انتهاء اختبارات منتصف العام الدراسي، لتوزيع الجوائز على المستحقين من المتفوقين، وقد تكفَّل ولي العهد وقتها السيد سعيد بن تيمور بجميع مصاريف الحفلة، كما أهدى المدرسة كأسين من الفضة، أحدهما لفريق الألعاب، والآخر لفريق الأناشيد.
كما كان الطلاب في المدرسة السلطانية الأولى يخضعون لامتحان في منتصف السنة الدراسية، وامتحان في نهاية العام الدراسي، ومتوسط مجموع درجات الامتحانين تكون النتيجة النهائية للطالب في كل مادة دراسية، كما كانت هناك درجات مخصصة للمواظبة والسلوك.
ولأن المدرسة كانت أول مدرسة يبدأ فيها تطبيق بعض جوانب التعليم الحديث؛ فقد كانت واجهةً علمية في مسقط، بحسب الباحث الدكتور ناصر بن عبد الله الصقري في رسالته (التعليم في مدينتي مسقط ومطرح بين عامي ۱۸۸۸-۱۹۷۰)، وأصبحت ذائعة الصيت في عمان والخليج العربي، ومما يدلّل على ذلك زيارة بعض الوفود لها من مناطق الخليج العربي، ومن بينهم وفد من دبي على رأسه الشيخ عبد الله البدور، والشيخ أحمد بشير، كان قد زار المدرسة بتاريخ ۹ سبتمبر ۱۹۲۹م، كما كان من الجوانب الإيجابية والمؤثرة في المدرسة هو اجتذابها لعدد من الطلاب الذين كانوا يدرسون بمدرسة الإرسالية العربية في مسقط، خاصةً بعد إضافة مادة اللغة العربية لمواد الدراسة، وإحضار معلم عربي وافد لتدريسها. بعد إضافة مادة اللغة العربية لمواد الدراسة، وإحضار معلم عربي وافد لتدريسها
وعن يساره المدير إسماعيل الرصاصي
المدرسة السلطانية الثانية
المدرسة السعيدية بمسقط
جهود إسماعيل الرصاصي في تأسيس وإنشاء وتطوير التعليم في المدرسة السعيدية
أدرك السلطان سعيد بن تيمور أهمية بناء مدرسة في مسقط للتعليم الابتدائي، وقد أوكل كل الأمور المتعلقة بالتخطيط والبناء والإشراف إلى والي مطرح، إسماعيل بن خليل الرصاصي، الذي قام بمتابعة جميع المراحل الإنشائية التي مرت بها المدرسة وجرى افتتاحها سنة ۱۹٤۰م.
والأمر الجدير بالملاحظة أن إسماعيل الرصاصي لم يكتفِ بمجرد المتابعة، بل قام بعمل تصميم الخريطة الإنشائية الخاصة بالمدرسة، وهو أمر بحاجة إلى مهندس مدني متخصص، وهذا دليل على مدى الاطلاع الكبير، والخبرة التي كان يمتلكها في المجال التربوي والإنشائي، بدليل موافقة السلطان عليها، وإعطائه الأوامر للبدء في أعمال الإنشاء.
فقد شُيّدت المدرسة السعيدية بمسقط خارج سور مسقط، خلف الخندق مباشرة، وأخذ بناء المدرسة الطابع الهندي الباكستاني في العمارة؛ حيث أشرف على تنفيذه مهندس هندي يدعى (سنج)، وقام بالبناء عمال هنود، وشاركهم بناؤون عمانيون من ذوي الخبرة في مسقط، وتقدر المساحة الإجمالية للبناء حوالي ۹۷۰ مترًا مربعًا، أما مساحة الأرض التي أقيمت عليها المدرسة، واشتملت أيضًا على المرافق، والملاعب، والساحات، والمسجد، فبلغت حوالي ۱٥ ألف متر مربع.
وقد تكوَّن البناء المدرسي في بدايته من ستة فصول دراسية، وغرفة للإدارة المدرسية، وغرفة للمعلمين، بالإضافة إلى المرافق الضرورية. وتكونت من مرحلتين دراسيتين: الأولى مرحلة ما قبل الابتدائي ومدتها سنتين تمهيديتين، والثانية هي المرحلة الابتدائية ومدتها ست سنوات، يمنح الناجحون فيها الشهادة الابتدائية التي تصدرها دائرة المعارف. وفد قام بالتدريس فيها عدد من المدرسين العمانيين واخرون من الدول العربية الشقيقة. وكانت الكتب الدراسية التي يتم تدريسه في المدرسة السعيدية بمسقط تجلب من مصر وفلسطين مثل: كتب النحو الواضح والقراءة الرشيدة، اما كتب الرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا وبعض كتب اللغة العربية فكانت توفر من لبنان وحظيت مادة التربية الإسلامية بقدر كبير من الاهتمام بين المواد الدراسية. وكانت المدرسة تدرس أنشطة أخرى شمات التمثيل والرياضة البدنية والرحلات وتأكيدا لأهمية مادة الخط العربي، قام السلطان السيد سعيد بن تيمور في علم ۱۹٤٤م بإهداء طلبة المدرسة مجموعة من كراسات الخط العربي.
تم افتتاح المدرسة السعيدية في مسقط عام ۱۹٤۰، وقد افتتحها السلطان سعيد بن تيمور بنفسه، وذلك تيمنًا بولادة ابنه السلطان قابوس، كما أشار السلطان سعيد لذلك في إحدى رسائله التي أرسلها للحاج الزبير بن علي بتاريخ ٥ ديسمبر ۱۹٤۰م.
رسالة من السلطان سعيد بن تيمور إلى الشيخ الزبير بن علي يبلغه بولادة ابنه قابوس في نفس عام افتتاح المدرسة (أرشيف المدرسة السعيدية )
صورة
أرشيفية للمدرسة السعيدية بمسقط في إحدى مراحلها الزمنية
(شبكة المعلومات العالمية)
جزء من وثائق تحوي أسماء بعض أعضاء الهيئتين الإدارية والتدريسية بالمدرسة السعيدية (أرشيف المدرسة السعيدية بمسقط)
المدرسة السعيدية بمطرح
إسماعيل الرصاصي مدير المعارف
شؤون التعليم في مسقط ومطرح
فوَّض السلطان سعيد بن تيمور إلى واليه على مطرح ومفتش عام الولاة والقضاة الأستاذ إسماعيل الرصاصي الإشراف على شؤون التعليم بشكل عام، والإشراف على المدرسة السعيدية بشكلٍ خاص من حيث اختيار المعلمين، والمناهج والأنشطة وغيرها.
وقد أنشئت دائرة خاصة للإشراف على التعليم عُرفت باسم (دائرة المعارف)، وقد عُيّن إسماعيل الرصاصي مديرًا لها، إلى جانب كونه واليًا على مطرح، كما تم تعيين السيد عباس بن فيصل مفتشًا للمعارف، ويدل هذا التعيين على مدى ثقة السلطان سعيد بن تيمور في قدرات وإمكانات واليه إسماعيل الرصاصي على الرغم من المشاغل والأعباء الإدارية العديدة التي كانت ملقاة على عاتقه، كما كان من صلاحياته تعيين أعضاء الطاقم الإداري والتدريسي للمدرستين، واختيارهم. كما كانت من ضمن أعماله الإشراف على المدرستين السعيديتين في مسقط ومطرح، والتوقيع على الشهادات المدرسية واعتمادها.
نموذج شهادة مدرسية تعود إلى عام ۱۹٤۳ عليها توقيع مدير المعارف إسماعيل الرصاصي )كتاب مخضرم بين عهدين(
نموذج شهادة مدرسية تعود إلى عام ۱۹٦۸ عليها توقيع مدير المعارف إسماعيل الرصاصي (أرشيف متحف عمان عبر الزمان)
ونخبة من أساتذة المدرسة السعيدية وأعيان مسقط (أرشيف تلفزيون سلطنة عمان)